الاثنين، 24 ديسمبر 2012

فإنها حين تُمطر، تفعل بلا استئذان.


منتصف ديسمبر 2012
عندما يكتئب نبى البهججة فان شيئاً ليس على ما يرام : ربما يُفسر هذا السحب و المطر و الزعابيب التى اجتاحت المدينة . امطرت على رأسيهما و هما يرتكبان خطيئة الصرمحة ، فاختبئا فى ممر يمسحان نظاراتهما بعد ان اعمتهما القطرات : اللعنة على قُصر النظر. تناوله نظارتها لأنها لا تملك صبراً لمسحها فيقبل ذلك ببساطة .
انه فى الواقع يعاملها برفق منذ بداية اليوم : منذ اعترافها بسر شخصى الذى جعلها ترتجف برداً و رعباً بلا سبب  و تخبط اقلامها الملونة على منضدة المقهى ، كانت هشة جداً و كان يعرف بهشاشتها، و كان ما فعله هو ان انتزع الاقلام من يدها و انساب صوته المُطمئن بشكل غريب: اهدى ! مفيش حاجة .
خرجا من الممر الى الشارع الرحب يدوران بلا هدف فى وسط البلد الجميل.
قُالت فى عصبية : الصوفية شئ راقى و ماله. لكنها ارقى درجات الوهم . 
قال: مُنذ رأيت اتفاق على اتعاب رقصة مولوية و قد اصبح هذا فناً فقط بالنسبة الى.
قالت: ولكنها مازالت وهماً. تقلد ما تسمعه (ساخرة) : لقد رأيته..لقد احسست به.. لقد لمسته (تأتيها خواطر مضحكة عن الرنين المُريب الشبق للكلمات و تربط ذلك بالاتجاه الشبقى الذى سمعت عنه للبعض المتصوفة-بالفعل ان تلك الرومانسية المفرطة  و الاتحاد بكينونة الاله تثير اعصابها)
قال مبتسماً محاولاً قمع سخريته: لأنك قابلت مُدعين فقط.
قالت: رُبما.و لكنك بالتأكيد لا تصدق.
قال: لا اصدق الميتافيزيقا بالتأكيد و لكن،غاندى مثلاً ، كان رجلاً متصوفاً بالفعل. و غير مُدع.
لم تقُل شيئاً: لقد كان طرحاً جديداً و زاوية جديدة لم ترها-كعادة نبى البهججة يغمرها بعبقريته كما يغمرها بلطفه التلقائى و ابتساماته.
بالفعل : ان صديقها نبى البهججة قد اضاف بهجة لا تقاس الى حياتها رغم اكتئابه الحالى ، و حتى ان كان بحثه عن حياة جديدة بالكامل هو السبب فى تلك الصداقة : فليكن . ربما تموت غداً فلن تجد وقتاً لتلوم نفسها على اضاعة وقت فى تحليل مُسببات البهجة التى دخلت حياتها.

*****
بداية ديسمبر 2012
فى مقعد بجوار السائق : و بعدما فسد مزاجها عندما فشلت فى الوقوف امام الكاميرا للمرة المليون فى مناسبة مبهجة كما هو مُفترض : امطرت. 
سقطت القطرات على الزجاج فاغلق الجميع النوافذ. اصدقاء فى سيارة دافئة تخرج من جوف المدينة الى الكورنيش و من الحارة البعيدة عن البحر الى الحارة الاقرب له.
تتسرب البهجة مع كل زفير حار يملأ المكان دفئاً على دفئه : نحتاج وقتاً ، و حلوى ، و قهوة. يا للخسارة .
يقود صديقها الذى يتسرب جماله الداخلى عبر شقوق وجهه ذو التعبير اللامبالى  و مزاحه الخشن و قيادته المتهورة التى  يمتنع عنها تلك المرة بالذات من اجلها . يضغط على ازرار كاسيت السيارة فتنبعث اصوات مرنمين مسيحيين شديدة الاملال بنغمة واحدة فتقول له فى تعب ساخر : غير ابوس ايدك.
يخرج صوت مغنى بأغنية راى غريبة بها مقطع ساحر لكنه مضحك ، سحر الاغنية يغمر السيارة بالنشوة و الضحكات، تتنفس بعمق خلف حزام الأمان و تشعر برغبة فى البقاء الى الأبد.البحر يستقبل قطرات المطر التى خرجت من رحمه و عادت اليه ، الطريق زلق لامع ، غير مُزدحم. الموسيقا المنبعثة من الراديو و قطرات المطر و السيارة.
تنزل منتزعة نفسها بصعوبة من هذه الحميمية : تستكمل طريقها مشياً فى الظلام الذى بدأ يحل ، و جاكت المطر الأحمر الزلق يغلفها. و صوت "جون ماير" و جيتاره الالكترونى يثيران فيها كل انواع الوحشة اللذيذة.
*****
منتصف نوفمبر 2012
الشتاء يليق بالقديسة الفاسقة: فهى تبدو كلعبة دافئة كثيرة الفراء شديدة الجمال ، تبتسم فيضئ وجهها الحلو و تلمع اسنانها من بين شفتيها المكتنزتين الجميلتين، تعبس فتزم ذات الشفتين و تخفى خديها فى وشاحها الصوفى.الشتاء يليق بها ،و بكنزاتها الصوفية ، ووشاحها الاحمر و معطفها الرمادى.
هما تحت الشتاء دائماً: يوماً تمطر على رأسيهما فتجريان كالحمقى ضاحكتان، تُزيد الشتوية فى عُنفها فتختبئان تحت (تندة) ثم تعودان للبيت حيث تتناولان غداء يعدانه سوياً، او فى مُظاهرة طلابية حاشدة ضد العسكر، او فى منزل القديسة الخالى البوهيمى بشكل مُضحك حيث تذوق الذ قهوة و تلتهم بشهية كل شئ تخبزه هى، فالعجين يحبها على ما يبدو و ينصاع لأصابعها و يبدل مذاقه على مزاجها.
دائماً كانت حيث يوجد الشتاء .وذلك اليوم بالذات كان ثقيلاً من بدايته : كانتا تنتظران نتيجة العام المُنصرم و مزاجهما شديد السوء. تلك السنة الدراسية الغير آدمية كانت كفيلة بان صنعت جُباً بينهما يقتلها ظنها انه غير قابل للإصلاح . جالستان على اريكة تنتظران اى شئ ، استمعتا لبعض الموسيقا. ثم فقرة ليسرى فودة . ثم خبر وفاة مُزعج جعل من الضرورى ان تذهبان للعزاء. 
ان تلك الاشياء تحدُث دون تفكير : لقد اجلست نفسها على حجر صديقتها و اراحت رأسها وسط شعرها الكثيف الناعم. توصلت فى لحظتها الى نظرية عبقرية : سقوط الحواجز الفيزيائية يُقرب البشر عاطفياً بما لا يقاس. استرخت، غمرها شعور ان كل شئ سوف يكون على ما يرام.شعرت حنيناً يغمر صديقتها فلم تتكلم. انتظرتا طويلاً، همهمتا بان كلاهما تتوقع ان ترسب-غير مازحة . من يعرف تلك الجامعة، و ذلك النظام التعليمى المتوحش ، و هؤلاء الاساتذة الساديون يعرف جيداً انهما لم تكونا تمزحان على الاطلاق.
و عندما حدث  و وجدت كلاهما انهما عبرتا بسلام : كانت لحظة انتصار مشترك و شهادة على ميلاد شئ ما . لقد ابتهجت بالحضن الحنون اكثر من النتيجة : و كأنها تقول : لقد نجحت !! ثم تكمل داخل رأسها : فى استعادتها ولو للحظات .
تظاهرات عنيفة عند القصر الجمهورى بالقاهرة: و الغد-الجمعة- من المتوقع ان يكون مأساوياً.تشرب قهوة ساخنة بسرعة قبل الرحيل ،ثم بعد ذلك يصدمها الماء الذى يغمر الطرقات و توتر غريب فى الشارع  و بعض السحن المريبة تتناثر ، و بعضهم يحمل اسلحة بيضاء.اضطربت، عادت خطوتين الى الوراء متوترة، فقط لتجدها تخرج من الشارع مرتدية احد كنزاتها اللطيفة ، تتنهد فى اطمئنان غمرها رغم وحدتهما: انها هنا. فقط.
*****
منتصف نوفمبر 2012
قالت له : لقد كنت اعتقد فى طفولتى ان هذا هو الله من خلف السحاب. ابتسم قائلاً: مازلت اعتقد ذات الشئ.
تأملت الشمس القابعة وسط السحاب و البهاء يطل من بين فتحات السحب. نظرت إليه ملياً و تذكرت، كما تتذكر دائماً كلماته عن الحب الذى يستشعره الآن.
لقد كانت شاردة حتى اشار الى الله القابع خلف السحب ، الى قلب الحقيقة، حيث يكون الحب الذى بلا ثمن. لقد فقدت ايمانها بالله ، لكنها اذا آمنت به فسوف تؤمن خلال محبة بلا ثمن كالتى تشعر بها.فإن محبته كانت منقذاً و معيناً و مخلصاً. كم هى جميلة الطيور فى قلب السماء ! اى محبة لعينة تلك التى تجعل الانسان طاغية ؟ واى دعارة تلك فى انتظار مقابل ما من المحبة ؟
لا تعرف , لقد كانت تحبه يوماً ما و تريد ان تجعله نسراً مستأنساً , الآن تريده نسراً حراً، ان يحطم كل القيود، و من الغريب ان يكون هذا مقترناً بإنها تحبه أكثر بمراحل و بصورة اكثر زهداً: لا تريد شيئاً منه.
*****
نهاية أكتوبر 2012
باغتتها الفكرة الغاضبة :ما الذى تحاول أن تفعله ؟ تميتنى كى تحيا ؟ لكم أخبرونى عن إماتتك للنفس كى تحتلها ،تفريغك للشخص و إمتصاصك الحياة و التمرد منه ثم إحلال ذاتك فيه !

تقول : انى راحلة.ان كنت هناك فابحث عنى.وان لم تكن فدعنى و شأنى فأننى قد سئمت الوهم و اجترعته حتى امرضنى.
و من يومها لم تعد، ولم يواتيها ذات الغضب: لقد اصبحت اكثر استقراراً و اتساقاً مع كل شئ.اما وقتها ، فقد سقطت قطرة ماء على خدها فجأة ، رفعت عينيها الى السماء لتجد ان الامطار الأولى للشتاء تنهمر على استحياء. شخص اخر كان سيعتقد انها دموع السماء التى تودعه، اما هى فتعرف انها فى هذا الكون الفسيح اقل من ان يتبدل حال الغلاف الجوى من اجلها.
تباً للعلم. انه حقيقى بشكل مرير.

السبت، 15 ديسمبر 2012

استطراد ذاتى-تانى!


جزء اخر من الكتابة الذاتية: على من لا يحب  الذاتية الا يمضى قدماً فى القراءة، استطراد لما سبق ان نشرته: "خدر".
*****
بعدما قررت  ان تنهض من الفراش و تنثر الأوراق و الكتب و الأقلام التى تنام فوقها-عادة- وتتأمل فى المرآة وجهها الذى استيقظ لتوه و خصلة من شعرها الذى بعثرته المخدة تسقط على جبينها فترفعها كي تغسل وجهها.
مازال هناك وقت لكنها لن تتحرك من مكانها: ليس اليوم.
هناك جميع الاغراءات السماوية و الاشياء المحلقة فى انعكاس عينيه،  كى تحركها من مكانها، لكنها مرت بذلك الطور المستفز المبتذل ألف مرة حتى أصبحت تكرهه:و أصبحت تعد له العدة كأى شئ كريه متكرر ، كالعادة الشهرية ، كالاختبارات الدورية السخيفة،كالكلمات الوقحة التى تقال ولابد ان تقال حين تمر امام اى ذكر،ليس لفتنتها بالطبع، بل لأنها انثى-فقط.
انها فى الواقع تحب تلك الحقبة من اى رجل لأنها ملهبة للخيال و المشاعر،و الفيلم ينتهى عندها بعد قبلة البطلين- وهو ما علمته السينما لها بجدارة، و من الواضح ان الطفلة التى قضت حياتها بلا صداقة واحدة فى الطفولة لم تجد مجتمعاً بشرياً حولها سوى الأفلام ، فقد سقطت فى هوس السينما و سيطر التفكير السينمائى على تفكيرها مثل "توتو" الصغير فى فيلم "سينما باراديسو الجديدة"، الموسيقا التى تستمع اليها لابد وان تكون خلفية لمشهد فى دماغها ، من ماضيها او حاضرها او مستقبلها الافتراضى، مصورة بكاميرات عالية الجودة، مقترنة بسلسلة من الجمل العميقة التى لا تبدو بهذا العمق عندما تُقال، كذا حماقات العقل الباطن و نظرته العلوية لنفسه: تتحطم على حائط الواقع.
هناك بلايين الأسباب كى ترتدى ثيابها و تنزل ، لكنها تعد قهوة سوداء رديئة و  تشربها كلها دون طعام فتتصاعد آلام معدتها الحساسة.تجلس فى فراش والديها تشاهد التليفزيون و باب الغرفة مغلق.و مقبض الباب يبدو قريباً جداً و سهلاً جداً: لماذا لا تجذب المقبض؟ يأتيها النداء الناعم نعومة البطانية التى تدثرها فتأبى.
انحطاط: كذا تقول لنفسها. انحطاط فكرى و اخلاقى و سوقية و مراهقة متأخرة-بالفعل، فلا تتذكر لنفسها مراهقة، ولا طفولة ، انها تشعر انها سُرقت بشكل ما ، و الأدهى ان التنميط المُعتاد لسرقة الطفولة- بحوادث مفزعة او مسئوليات مبكرة- يجعلها تخجل دائماً من مواجهة نفسها بتلك الحقيقة، لقد سُرقت طفولتها و مراهقتها ببطء و نزفتها خلال قناة وريدية محكمة،انها تتذكر انها لم تقل" لا" ابداً فى طفولتها: ولا مرة مدفوعة بخوف رهيب،ولم تحب اى شخص و عندما كان يحدث كانت تُسقط مشاعرها جميعها على صديقة لها و تتمنى ان يحبها الفتى وان لم يحدث تموت كمداً ! اى شئ تنتظر من نفسها بهذا الماضى الماسخ المُجرد؟ لقد اصبحت تضيف نكهات عنيفة على كيانها الماسخ المُجرد وليد ذلك الماضى ، كى تشعر انها مثل بقية البشر.
فى الواقع ان هناك غرفة بيضاء باردة كبيرة فى عمقها تعيش فيها طفلة لا تكترث و تشاهد افلاماً و تأكل الكثير من السكريات و تضع سماعات و ترقص كما يحلو لها فى الغرفة المحكمة التى بلا ابواب ولا نوافذ حتى تستنفذ كل شئ و تنام.هى تفعل ذلك بالفعل عندما تخلو الى نفسها: تغلق جميع النوافذ بلا استثناء، تحل خصلات شعرها و تجرب فستاناً من فساتينها دون احتياطات الانثى الشرقية من ثياب لصيقة سخيفة تكبل الفستان و تخفى فتنته: تبتسم فى وجل لانوثتها التى تطل من فتحات الفساتين .  تطهو بعناية طبقاً مميزاً لها وحدها، لابد ان يكون ساخناً  جميل الشكل زاهياً لذيذاً مليئاً بالنكهات العميقة الممتزجة : كمزاجها الجنسى الجشع. تأكله عن اخره ثم تغسل الطبق و آنية الطهى بسرعة قلقة مُذنبة كأنها ارتكبت جريمة ،و تُعيد كل شئ الى مكانه.
مثل كاسانوفا غاية الحياة عندها ان تموت عشقاً حتى ينتهى اللهب -و اللعب- فترحل، غاية الحياة ان تموت لذة وعندما تشبع تشمئز، انها تأكل بشهية لكنها حين تشبع تقرف من رائحة الطعام و منظره مهما كانت تحبه،وانها تحب الرجال بحرارة ساحقة لكنها حين تشبع حباً تفر ،و حين تنطفئ جذوة الشوق و الغيرة القاتلة- و بخاصة الغيرة !! توابل اللعبة  الحريفة التى ان لم تجدها "اوجدتها"- و الخيالات الغامضة يضاء النور و تظهر التترات و تجمع حاجياتها و تخرج الى الليل البارد- الى مرآب سينما "أمير" السكندرية الذى كانت تحبه جداً فى طفولتها، تحبه لأنه السبب فى حب الفيلم من الأساس، لأن الفيلم ينتهى و هذا موطن جاذبيته و شجنه و الحنين الى دار العرض الدافئة الحميمية، هذا المرآب الكئيب الذى يطُل على المسرح الرومانى يدفعها لبكاء لذيذ و شوق حقيقى للفيلم القادم.اى نُضج و انسانية فى الاستسلام لتلك الطفولة ؟
 ولأنها تفكر كثيراً امام الشاشة فلا تتابع شيئاً، فهى لن تتحرك، لن تترك الفراش و لن تستسلم للهمس الشهوانى الناعم الذى يجذبها لرائحته و صوته و ابتسامته لأنها جميعاً ليست الا قطعاً من لعبة احجية عبثية فى يدها الطفلة،اذا انتهت الاحجية انتهى كل شئ.

الأحد، 5 أغسطس 2012

والآن لا أبصر

عدت لا أبصر النور.
لا أزعم ان وجودها كان النور،لكنه كان قدرتى على ابصاره.طفلة لم تحب أحداً و لم يكن لها صديقاً طيلة حياتها ولا اى شكل من المحبة يستمر اكثر من شهور. تجرب الاحساس لأول مرة.تبصر.هذا هو الأمر.تبصر.
عندما رحلت رحل الابصار و عدت لا ابصر.الرحيل الفجائى امر مبتذل،و الرحيل البطئ أمر مؤلم لكن طبيعة البشر ان يفضلوا الألم المديد على الموت بكرامة.و يفضلون الاحتفاظ بحاسة و ان كانت معطوبة الى ان تنتهى.
 تذكرت فى سخرية مرة و الم ضمير جميع من انتقدتهم لأجل بحثهم عن المحبة و الاهتمام فى غياب شخص يظن،انه بالأهمية،ان تتوقف عجلة الكون لأجله و ان يتوقف الناس عن بحثهم  عن شخص يفكر خارج نطاق ذاته و طموحه. الحقيقة انه لا اشرار ولا قديسون فى تلك الأرض.اننا بشر.ان محاولاتى المضحكة فى اضغام خيانة فى الأمر ما هى الا محاولة من شخص لا يعترف بقوانين الطبيعة.شخص جاهل متصلب.
ما ضير احتمال غيرة و وحدة و حرمان الى ان ينتهى الأمر .ما ضير ذلك.لقد قال علماء النفس ان الانسان يميل الى العودة الى الحالة الأولى الغامضة حيث كان عدماً.ما عيب العدم؟ لا عمل لى سوى الدوارن مع ذرات الكون.
ما ضير ان تكون قهوة واحدة،وكعكة واحدة،و كرسى واحد،ومصير واحد،وموت واحد.
أن أعود لا أبصر.ما ضير ذلك.

السبت، 28 أبريل 2012

إلى قنصلية الفردوس المحتلة


تمد يدها.

فى لحظة من اللاشعور،فى لهفة و أنانية العاشق اللاتينى المبالغ،تمد يدها.

من أجل لحظات شحيحة من النشوة المرة البعيدة،تقطعها لفحات من هواء،أو أصوات،أو أحاديث فرعية،لا تهتم.إنها تجتاز بوابة أكثر الأماكن حميمية على وجه الأرض و أن تثبت أقدامها و أن تلتقط أنفاسها و تبتسم.

تمد يدها كما كانت تمدها نحو الشمس فى طفولتها،تضفر خيوطها الذهبية و تعقصها.

لماذا،فى كل مرة،توجد تلك اليد التى تتملك الأمور بذلك الرفق السام القاتل.

لماذا تتحرك بكل تلك التلقائية المستفزة التى تعكس سيطرة.تعكس ثقة.تعكس شعوراً بإمتلاك الحق؟ ومن أين لليد الجرأة أن تتم عملها ببساطة ثم تجذب بقية الجسد؟

فى طفولتها كانت يد أنثوية بضة ذات أظافر معتنى بها تتولى الزمام.كانت خارج حدود هذا المكان تحبها كثيراً،أما فى داخله فهى لا تعرف سوى إنها تحترق بالغيرة.تموت.تقف اليد كأنها الملاك الحارس لجنة عدن بسيف من نار فلا تتمكن يدها الصغيرة المرتجفة من العبور من ثم تأخذ بقية جسدها إلى حيث تتمنى،إلا فى أقات استثنائية تكون فيها فوق السحاب.تطير و ترفص بقدميها الصغيرتين فى المساحة التى صممت للكبار،بينما الملك الوسيم يضعها على العرش الكبير المتسع الذى تغرق فيه و يأخذها ألى حديقة الحيوان،ويشترى لها دمية ملونة و شيكولاتة،وتكون أميرته بضع ساعات قبل أن تعود الأمور إلى ما كانت وسوف تظل عليه.

اما فى طفولة قلبها كانت تتأمل قبضته الدافئة المتملكة و ترقب،ترى من القادم.من سيجذب المقبض.من الذى سيمد يده فى امتلاك تلقائى لقطعتها من النعيم،من شخص آخر،هو إما متحد ساخر،أو منهك،أو يكبرها سناً أو مقاماً،أو حبيباً أكثر،أو قريباً أكثر. تسكن فى مكانها فى انتظار معجزة تمكنها.هذا فى أيام طفولة قلبها،قبل أن يشيب و ينكمش و يعجز و يبتسم ابتسامة مرة.

إنها كما كانت و كما ستكون تتأرجح بين قمة المرارة و قمة النشوة،ترقب بحسرة أمنية صغيرة بلهاء مضحكة تطير كبالون فى الهواء ثم تنفجر مع أول لطمة بسن مسمار صدئ فى حائط قديم،أو منشر حديدى مزدحم بثياب قليلة الذوق،أو نبتة صبار فى شرفة عجوز،أو دبوس فى يد مؤذية ساخرة.تقنع،تخضع،تأخذ محلها من الإعراب،الذى هو أقل مما تريد لكنه أكثر قليلاً مما تخاف أن تكونه.

الآن،تفزع،تستعيد نفس الشعور।كأن عضلة قلبها الميتة المتشنجة تبدى بعض علامات الحياة।كأنها لم تفقد مرارة و نشوة الطفلة فى حادثة أليمة حطمت طفولة فؤادها।تعود تمد يدها،تعود يدها تزاح عن المقبض إما برفق أو بتحدى أو بسخرية أو بحكمة،لا تصدق انها ترغب فى نفس الشئ مرة أخرى مع شخص آخر،تعود تتأرجح بين القمتين،بين القطبين،فقط ليعلو صوتاً سمجاً يقاطع خواطرها:الكرسى ده بتاعى لو سمحتى.

تعود تتخلى عن مقعد السيارة الأمامى لصاحب النصيب،وتجلس فى المقعد الخلفى المريح الذى تكرهه،الذى صنعوه للغرباء و الأطفال، تتخلى عن أكثر الأماكن حميمية و لطفاً على وجه الأرض،وتترك الكرسى القدامانى الحبيب لأمها،أو لصديق حبيبها المفضل،أو لحبيبة حبيبها،أو لأخاها الأكبر،أو لوالدة صديقتها،أو لأى شخص يمرق فى حياتها فيحتل هذا المكان عامداً أو غير.

نعم، مازالت طفلة بائسة بلهاء تعشق كرسى السيارة الأمامى،وتحب طى الأسفلت تحت قدميها الصغيرتين،وتحب الأربعين سنتيمتراً الفاصلة المليئة بأنفاس الجالس خلف عجلة السيارة،الذى يبتسم لها بجانب فمه لأنه لا يستطيع رفع عينه عن الطريق الموحش جداً بدونه.

السبت، 21 أبريل 2012

الرحايا


اسمع انينهن، يطحن فى رحى العائلة،
يعجن بماء العادات
 يصببن فى قوالب صلبة،
يدخلن فرن السنوات الملتهب بنيران قسوة التجربة و قسوة الجهل بالتجربة،
حتى يتصلبن،
يجففن،
 يخرجن من قوالبهن
،و الشفاه محفورة عليها ابتسامة جامدة كالدمية فيها الحياة و الموت،
 لا قلب لهن،
لا احلام،
لا افكار،
ولا ثورات،
فالقلوب و العقول احالتها الحرارة،حجارة صلبة غبية كالاصنام،
 و الاحشاء جمدت عن الشغف و شغفت بمنفعة الجسد.
دمى تأكل و تشرب،
 تتجمل و تتعلم من اجل لا شئ..
خاويات كالموتى،
و الخواء فى بلاد الرحايا..طهر.
اسمع انينهن فى ربيع العمر يقصين و يسحقن،و ارى الجدة فى ثيابها السود تفرغ الرحايا من ضحاياها لتعد قرباناً جديداً لفك الوحش الحجرى.
و يدور الحجر فى مداره الابدى.

الثلاثاء، 17 أبريل 2012

الجنون


(1)
لا شئ فى هذا المتجر على مقاسى.
اننى اصاب بالذعر.
اتأمل من حولى،اننى اجد مسنين بائسين ملتصقين بالحوائط يصارعون اندفاع الجميع المجنون.
هنا،فى ركن "الفرص" ضاع كثيرون،اننى اعبر بين سيقان المنتحرين المتدلية فى هلع،واحاذر الا ادوس قدم عجوز وحيد مثير للشفقة، اولا اصطدم بإمرأة بدينة بائسة و اطفالها الستة المزعجين و زوجها قاسى النظرات،و احاول الا اطيل النظر لذلك الرجل الذى يرتدى زى التخرج الانيق و يمسح منضدة فى مطعم.
لا شئ على مقاسى.
حتى عندما يظهر بائع الفرص المستفز الشيطانى،اصاب بهلع،مع اندفاع الكل و اصطدام اكتافهم بكتفى.
ان بضاعته على بشاعتها لا تبقى فى يديه سوى ثوان،فذلك الفتى ليست تلك الفرصة على مقاسه لكنه يختطفها فى لهفة،يخرج مقصاً و يقيفها برداءة على عوده النحيل،يضحك.اننى اكاد اصرخ و اخبره انه يبدو قبيحاً جداً،رديئاً جداً،مثيراً للشفقة جداً،ان صوتى لا يخرج من حلقى،اننى لا اشعر باهتزاز احبالى الصوتية،وأنا ارى المسكين محاطاً بقوم جاحظى الاعين،متجمدى النظرات،يهنئونه،يطرون على جمال فرصته التى شوهها التقييف القبيح.
تتوقف اعلانات المتجر المستفزة عن الفرص لتبث اغنية(اديش كان فى ناس) و ينطلق صوت فيروز الحزين فى الهواء مثيراً عاصفة من الهلع و الحزن.
اتراجع لاصطدم بكيان منفر،كأنه كرش دهنى لشخص جشع،التفت فأجد بائع الفرص اياه،برائحته العطرية السكرية الانثوية المقززة،كيف باغتنى.
ابتسم لى،اخرج من جعبته شيئاً.
-فرصة..سوبر لوكس.الحاجات دى للناس اللى زيك بس.
ارتجفت عندما تأملت ما يحمله.
-بس ده ظلم.
-ليه بس يا مزمزيل..ده الكلام اخد و عطى.
-بقولك مش بتاعتى.مش عايزاها.مش مقاسى.
-تتقيف يا مزمزيل.كله بيتقيف.
ثم أخرج من جعبته مرآة ذهبية الاطار،انظر فيها تلقائياً لألمح صورتى،اعود لأنظر فيها بتمعن مرتعب.
اننى،فى المراية،شائبة الشعر،كثيرة التجاعيد،وفى الخلفية ديكور منزل اهلى،وقد بهتت حوائطه و امتلأ بصور شاحبة بشرائط حداد،ارفع يدى لأتحسس وجهى المغضن الفقير الوحيد.
اصبت بهلع حقيقى،ارفع رأسى الى وجهه المشفق المستفز.يلوح بفرصته فى اغراء.
-تتقيف يا مزمزيل..كله بيتقيف.كله بيتكلفت.كله بيطلع فى الغسيل.كل الفرص جاهزة.كلها قوالب.
-لأ!
اقولها صارخة.
اعاد بضاعته الى كيسه،نظر الى فى كراهية،ابتسم ابتسامة شرسة بينما فتاة تمسك بكيسه فى هستيريا محاولة اخراج الفرصة التى اراد منحى اياها،يغلق كيسه عنها فى بخل.
يرفع يده بحركة تعنى ان تدفع له.
تخرج من طيات ثيابها حفنة من الكرامة،تمنحها له.
-مش كفاية.
تخرج كل ما فى جعبتها من كرامة،تبحث فى جميع جيوبها،تمنحها له.
ينظر الى بنفس الابتسامة الشرسة،ينحنى الى اذنى بانفاسه الكريهة.
-هاتندمى.

الخميس، 16 فبراير 2012

الى الأراضى الكندية:برقية بلا قطرة عزاء.


عزيزى:......
اكتب اليك بعد قراءة ما كتبت،فى ذلك اليوم البغيض الذى ابتدعوه لتنغيص حياتنا،عيد الحب.اسمح لى ان اقول كلمتين لم أجرؤ ان اقولهم من قبل و مازلت خائفة لكننى هاتوكل على الله.طالما صدرك يتسع لبعض حديث.
اننى اراها وفيرة الحظ،كالأميرة.سوف تظل فى قمة نجوميتها و نضرتها إلى الأبد.أليست الزهور محزنة جداً حين تذبل.اما هى فاضحت كزهرة خالدة لا تذبل ولا تهرم ولا ينساها الناس ولا تنساها انت.ما عزاءك انت فى كل هذا؟ لا عزاء.انت العاشق المخلد للأسطورة،كيف اخدعك بكلمات انت اذكى من ان تنخدع بها؟
انا سخيفة؟ اه طبعاً.كان نفسى اقولك الكلام ده من زمان و كانت علاقتنا ومازلت لا تسمح.انا اتمنى لك كأخى الإنسان ان يذبل حزنك وان يستحيل حنيناً كالذى نستشعره نحو النجوم كأننا سنعيش وسطها يوماً ما.لكننى ابداً لا اتمنى ان تنساها فهى دناءة منى و استسهال بغيض.لا توجد حلول سحرية ولا قارورة عزاء تجرعها فتبرأ .سوف تبرأ،ليس الآن.نصيحتى المخلصة لك.لا تحاول البحث عن عدالة سمائية أو أرضية لأنه لا يوجد،على الأقل فى وجهة نظرى المتطرفة نحو المادة اكثر من الماورائيات.فقط كن أميناً مع نفسك.وانت على قدر من الذكاء ان تكون كذلك.
كنت اعتقد بهذا الكلام العجيب اننى قد اضيف لك فكرة،وانا لا احاول مساعدتك لأن هذا سخف وغير ممكن.اعتبرها فضفضة لا استطيع الافضاء بها لشخص سواك.خفت جداً ومازلت خائفة لكننى توقفت و قلت:ليه لأ.ربما تكرهنى لكننى بالفعل اردت ان افضى لك بما استشعره نحو الموضوع.
اتمنى بإخلاص ان تكون بخير،الآن أو غداً।المهم ان يحدث.
صديقتك.

الاثنين، 13 فبراير 2012

رسائل


هو،من مثله،من أين تشرق الشمس ان لم يبتسم ذات صباح،وأين ترتاح حمامة مهاجرة إلا بين يديه.من يعوض الحمام المسكين على سطوح القاهرة الحزينة الذى لا تأويه يداه كما الحمام المحظوظ فى العاصمة البريطانية،بل هو من ذبح إلى ذبح.من يعوض الحمام المسكين عن إنتظاره.

من يخبره.فالحمام الزاجل قد ذبحوه كله و أكلوه كله.من ينبئه فى جوف يأسه و خزيه الطفولى أن هناك حمامة تحلم بغفوة فى كفيه قبل أن تنحرها سكين العاصمة و تسويها نيران فرن مصرى لا يرحم الحمامات الذبيحة ذات الأمنيات الكبار بالخروج من الغية الضيقة إلى كفوف بعيدة.

هو من مثله.تائه فى حجرة ضيقة لا يعرف أولها من آخرها وهى أوضح من نور النهار.من يعزى الأركان عن جهله بها.من أين تأتيها ألسنة كى تصرخ معلنة عن نفسها.ومن يصالح الأركان على بعضها و قد تخاصمت على أى ركن يأويه و أى حائط يظلله.من يعوض الحوائط المسكينة التى لم يمسها.وذلك الركن القصى الذى لم يلحظه فامتلأ غباراً ووحشة و خيوط عنكبوت.

هو من مثله.يجمع أولاده الكثار مثل أولاد فرعون.يأمر و ينهى و يطاع.من يعزى نفسه التى لا يأمرها بل يرغم فى أمر نفسه إرغاماً.من يعزى كل ربطة عنق تكاسل أن يربطها فبقت فى خزانته أعوام.من يعزى شارعاً تكاسل أن يطرقه فبقى مقفراً.من يعزى كل فتاة تكاسل ان يقابلها فادميت.من.من.