الثلاثاء، 17 أبريل 2012

الجنون


(1)
لا شئ فى هذا المتجر على مقاسى.
اننى اصاب بالذعر.
اتأمل من حولى،اننى اجد مسنين بائسين ملتصقين بالحوائط يصارعون اندفاع الجميع المجنون.
هنا،فى ركن "الفرص" ضاع كثيرون،اننى اعبر بين سيقان المنتحرين المتدلية فى هلع،واحاذر الا ادوس قدم عجوز وحيد مثير للشفقة، اولا اصطدم بإمرأة بدينة بائسة و اطفالها الستة المزعجين و زوجها قاسى النظرات،و احاول الا اطيل النظر لذلك الرجل الذى يرتدى زى التخرج الانيق و يمسح منضدة فى مطعم.
لا شئ على مقاسى.
حتى عندما يظهر بائع الفرص المستفز الشيطانى،اصاب بهلع،مع اندفاع الكل و اصطدام اكتافهم بكتفى.
ان بضاعته على بشاعتها لا تبقى فى يديه سوى ثوان،فذلك الفتى ليست تلك الفرصة على مقاسه لكنه يختطفها فى لهفة،يخرج مقصاً و يقيفها برداءة على عوده النحيل،يضحك.اننى اكاد اصرخ و اخبره انه يبدو قبيحاً جداً،رديئاً جداً،مثيراً للشفقة جداً،ان صوتى لا يخرج من حلقى،اننى لا اشعر باهتزاز احبالى الصوتية،وأنا ارى المسكين محاطاً بقوم جاحظى الاعين،متجمدى النظرات،يهنئونه،يطرون على جمال فرصته التى شوهها التقييف القبيح.
تتوقف اعلانات المتجر المستفزة عن الفرص لتبث اغنية(اديش كان فى ناس) و ينطلق صوت فيروز الحزين فى الهواء مثيراً عاصفة من الهلع و الحزن.
اتراجع لاصطدم بكيان منفر،كأنه كرش دهنى لشخص جشع،التفت فأجد بائع الفرص اياه،برائحته العطرية السكرية الانثوية المقززة،كيف باغتنى.
ابتسم لى،اخرج من جعبته شيئاً.
-فرصة..سوبر لوكس.الحاجات دى للناس اللى زيك بس.
ارتجفت عندما تأملت ما يحمله.
-بس ده ظلم.
-ليه بس يا مزمزيل..ده الكلام اخد و عطى.
-بقولك مش بتاعتى.مش عايزاها.مش مقاسى.
-تتقيف يا مزمزيل.كله بيتقيف.
ثم أخرج من جعبته مرآة ذهبية الاطار،انظر فيها تلقائياً لألمح صورتى،اعود لأنظر فيها بتمعن مرتعب.
اننى،فى المراية،شائبة الشعر،كثيرة التجاعيد،وفى الخلفية ديكور منزل اهلى،وقد بهتت حوائطه و امتلأ بصور شاحبة بشرائط حداد،ارفع يدى لأتحسس وجهى المغضن الفقير الوحيد.
اصبت بهلع حقيقى،ارفع رأسى الى وجهه المشفق المستفز.يلوح بفرصته فى اغراء.
-تتقيف يا مزمزيل..كله بيتقيف.كله بيتكلفت.كله بيطلع فى الغسيل.كل الفرص جاهزة.كلها قوالب.
-لأ!
اقولها صارخة.
اعاد بضاعته الى كيسه،نظر الى فى كراهية،ابتسم ابتسامة شرسة بينما فتاة تمسك بكيسه فى هستيريا محاولة اخراج الفرصة التى اراد منحى اياها،يغلق كيسه عنها فى بخل.
يرفع يده بحركة تعنى ان تدفع له.
تخرج من طيات ثيابها حفنة من الكرامة،تمنحها له.
-مش كفاية.
تخرج كل ما فى جعبتها من كرامة،تبحث فى جميع جيوبها،تمنحها له.
ينظر الى بنفس الابتسامة الشرسة،ينحنى الى اذنى بانفاسه الكريهة.
-هاتندمى.

هناك تعليقان (2):

  1. ما أجمل انطلاقك فى مساحات الخيال السرية
    هناك حيث المساحات الشاسعة من الحرية بعيداً عن الفرص التى تقايض بالكرامة والحلم..لذا
    فليذهب بائع الفرص ببضاعته المضروبة إلى الجحيم

    ثلاثية رائعة وإبداع ثلاثى الأبعاد
    تحياتى :D

    ردحذف
  2. فليذهب الى الجحيم لأنه لا يقدم حياة،انه يقدم سجناً أمناً..كسجن مبارك و عياله :D

    ردحذف